جروح انفجار الرابع من أغسطس، لم تلتئم بعد. لا بل يصح القول بأن اللهب الذي تصاعد من مرفأ بيروت بعد الساعة السادسة وخمس دقائق عصر ذلك اليوم قبل عام، لم يخمد بعد. وحدها العدالة تنفس الاحتقان والغليان السائدين في الشارع، وتحديدا لدى عائلات الضحايا وأهالي بيروت.
يبدو ان الذكرى السنوية الأولى لن تمر «على البارد». وبداية الغيث احتقان وانقسام على وسائل التواصل الاجتماعي حول تمثال «مارد من رماد» الذي يدشن رسميا السادسة والنصف عصر اليوم (الاثنين) على المدخل رقم 3 لجهة القاعدة البحرية للجيش اللبناني، في حرم المرفأ. التمثال يبلغ ارتفاعه 25 مترا ووزنه 30 طنا، ومكوناته قطع حديد صلبة جمعت من بقايا عنابر المرفأ المدمرة «تعبيرا عن استمرارية الحياة والإرادة الصلبة في البقاء»، بحسب نص البيان الترويجي للحدث.
العمل يهدف الى تكريم الضحايا والتذكير بقضيتهم وصولا الى الحقيقة بحسب م.نديم كرم. واستغرق صنع التمثال زهاء 9 أشهر، الأمر الذي أثار حفيظة المعترضين الذين انتصروا للمطالبة بتحقيق العدالة أولا بعد كشف هوية المسؤولين عن الانفجار، وكان إجماع على وصفه بأحد الانفجارات الأضخم لجهة الدمار ومقارنة تداعياته بما شهدته مدينتا هيروشيما وناغازاكي اليابانيتان في نهاية الحرب العالمية الثانية، بعد استهدافهما بالقنبلة الذرية.
مغردون وناشطون على وسائل التواصل، انتقدوا التمثال، وقبله فكرة الاحتفالية ولو من باب التكريم، معتبرين أنه لا شيء يتقدم على تحقيق العدالة وإدانة المرتكبين فيما يسمونه «جريمة العصر» التي تخطت آثارها التدميرية في الحجر والبشر كل الحروب التي شهدها لبنان من تلك الأهلية، إلى الأخرى مع إسرائيل منذ 1948 مرورا باجتياحي 1978 و1982 و«عناقيد الغضب» في 1996 والتحرير في 2000 وحرب يوليو في 2006.
الاعتراض على الفكرة أولا لأن البعض رأى انها لإنعاش الذاكرة في الظاهر والتغطية على المرتكب (المجرم) في الباطن. في حين عرض م. كرم وجهة نظره في تكريس ذكرى الضحايا في موقع الانفجار، وتكريمهم وتاليا تثبيت حقهم في الوصول الى الحقيقة.
أخذ ورد حول تمثال سيعني أكثر للبنانيين من ذلك الموجود في وسط بيروت في الساحة التي تحمل اسمه، تمثال الشهداء.
وقتذاك انقسم اللبنانيون بين منحوتة الفنان يوسف الحويك «الباكيتان» عن امرأتين مسلمة ومسيحية تبكيان ولديهما الشهيدان. واستقر الرأي على تمثال الرصاص للنحات الإيطالي مارينو مازاكور المدشن في 1960، والمعمد برصاص الحرب الأهلية اللبنانية، والذي أعيد ترميمه في جامعة الروح القدس الكسليك (جونية شرق بيروت)، وحط في الساحة من جديد في 2004 بعد «كباش» بين الرئيس أميل لحود والرئيس الشهيد رفيق الحريري. بينما استقرت منحوتة «الباكيتان» على مدخل متحف سرسق في الأشرفية، الذي نال نصيبه ايضا من انفجار المرفأ.
انقسام غير جديد لبنانيا، وهو بات السمة المصاحبة لكل القضايا في «وطن الأرز». انقسام على طريقة السباق بين الوصول الى الحقيقة، وتكريس القضية، قضية الشهداء وضحايا الرابع من أغسطس.
مدة الحفل (الوصف في نص الدعوة) اليوم محددة بنصف ساعة، وفيها كلمات للمصمم م. كرم وممثلة أهالي الشهداء والضحايا د. ماريانا فودوليان ونقيب المقاولين مارون الحلو وصاحب الرعاية محافظ بيروت القاضي مروان عبود.
في أي حال، وأيا تكن الآراء، تبقى المحصلة النهائية ان معلما سيرتفع على أحد مداخل المرفأ، ليذكر بحقيقة ما جرى، وان كانت النظرة اليه ستختلف بين أهل البيت اللبناني، وهو «بيت بمنازل كثيرة» بحسب المؤرخ الراحل كمال الصليبي.